من المسؤول عن ازمة الغذاء؟

من المسؤول عن ازمة الغذاء؟

jeudi 4 septembre 2008

نهاية الصراع الطبقي في تونس .....وبداية عصر الطوائف والقبلية

في القديم وتحديدا زمن البايات كان للانتماء العروشي قيمة ثابتة في تحديد هوية أي شخص. وكانت الأسبقية عامة لهذا الانتماء على حساب المواطنة بما تعنيه من حقوق وواجبات في إطار الوطن تونس. والسبب الرئيسي في ذلك هو ضعف فكرة المواطنة وعدم التسليم بالحقوق والحريات الأساسية التي من المفروض أن يتمتع بها كل المواطنين التونسيين مهما كانت عروشهم وجهاتهم الأصلية ومهما كانت أفكارهم ومعتقداتهم، إلى جانب غياب المؤسسات والجمعيات الأهلية التي تثقف المواطنين وتؤطـّرهم وتعرفهم بحقوقهم المختلفة وتوفر لهم حدا أدنى من الحماية ضد كل أشكال القمع والاضطهاد.
عند دخول الاستعمال المباشر إلى تونس برزت الروح الوطنية وتنامى الشعور بالانتماء للوطن قبل الجهة أو العرش. وقد تجسم ذلك في تنظيم المقاومة المسلحة (الفلاقة) والمظاهرات الشعبية والإضرابات العمالية التي أطرها الاتحاد العام التونسي للشغل.
إلا أن فكرة العروش والجهويات لم تضمحل نهائيا إذ وظفتها دولة "الاستقلال" بهدف التفريق بين مواطني البلاد وخلق تناقضات وهمية من أجل السيطرة وتبرير القمع والاستغلال. لقد اعتمد الحزب الاشتراكي الدستوري العروشية والجهويات لحشد الأنصار والأتباع ولف أوسع الجماهير حوله حتى يقوى ويشتد عوده ليمرر مشاريعه اللاوطنية واللاشعبية ويكرس سيطرة البورجوازية الكبيرة العميلة على مقدرات البلاد. فالصراع بين "البلدي" و"العربي"، والجلاصي والهمّامي، والصفاقسي والساحلي.. هي لا محالة صراعات وتناقضات شكلية لكنها تدعم الحزب الحاكم وتضعف إمكانية بروز التناقضات الجوهرية: التناقض بين البورجوازي والعامل، بين السلطة والمواطن، بين البرجوازية الفلاحية وكبار الملاكين العقاريين من جهة والفلاح الفقير من جهة أخرى.
لكن مع تطور الوعي وسريان الحس المدني والحقوقي بين الناس وتشكل الأحزاب ومنظمـات المجتمع المدني وطرح المطالب المتعلقة بالحقوق والحريات (الحق في الشغل، الحق في الصحة والتعليم، الحق في السفر والاتصال، حرية التنظم والتعبير والإضراب ولتظاهر...) تراجعت ظاهرة العروشية والجهوية تاركة مكانها شيئا فشيئا للانتماء الطبقي وللفكرة. فهذا نقابي وذاك "دستوري" وهذا حداثي وذاك رجعي وهذا علماني والآخر إسلامي وأصبحت لهذه الهويات قيمة أكبر من العرش أو الجهة...
إلا أن الظاهرة سرعان ما عادت إلى الوجود وانتعشت مع تكاثر الجمعيات الرياضية التي أصبحت بمثابة المؤسسات التي تؤطر آلاف اللاعبين والأنصار والمشجعين، وهي تلقى دعما كبيرا من الدولة سواء عبر توفير التجهيزات الأساسية (ملاعب، معدات، رياضية...) أو التأطير والتكوين (تكوين المدربين والحكام...). لقد عادت إلى السطح فكرة الانتماء الجهوي الضيق وصار التنافس على أشده بين أنصار باب الجديد وباب سويقة والسواحلية والقوابسية والصفاقسية... وأصبح لكل جمعية رياضية جمهورها وأتباعها وأعلامها (درابو) وشعاراتها وفرقها الموسيقية ومغنوها وملحنوها الذين يرددون أغاني وأهازيج هابطة ترشح عداء وكراهية وحاطة من كرامة المنافس. وقد ساهمت الصحافة الرياضية الرسمية وخاصة المرئية منها في الترويج لهذه "الثقافة الجديدة" من خلال تغطية حركة الجماهير وإثارة النزعات الجهوية.
وقد أفرز هذا الواقع الجديد ميليشيات كروية متعصّبة تتهجّم على أنصار المنافس وتقذفهم بالقوارير والحجارة وتهشـّم التجهيزات وتعتدي على الممتلكات العامة والخاصة وترهب المواطنين الأبرياء.
إنها "الطائفية الكروية" العمياء التي تتخذ من الجمعية/الجهة مرتكزا لحركتها ومبررات سلوكاتها المتعصبة. ومما لا شك فيه أن السلطة التي تتظاهر بلعب دور الحكم وتتدخل لضبط الأمور عندما يتجاوز أحد الأطراف الخطوط الحمراء تستثمر هذه الحالة للإبقاء على مناخ الهستيريا والتهميش والتفرقة الجهوية والتعلق بانتصارات وهمية بإمكانها أن تحجب إلى حين أوضاع البطالة والاستيلاب الثقافي وانعدام الحريات وتواصل حالة المواطن/ الرعية الذي يجند في الانتخابات والاستفتاءات للعب دور المزكي والموافق دون اعتراض أو تساؤل أو احتجاج والذي يسكت عن غلاء المعيشة وتفشي البطالة...
إن معالجة جدية لهذه الوضعية تمر حتما عبر معالجة جذرية لأوضاع البلاد بوضع حد لحالة الانغلاق والكبت وتكميم الأفواه والتجويع الممنهج وبيع مقدرات البلاد... وطرح جميع القضايا التي تهم البلاد بما فيها قضايا الرياضة والتربية والبدنية على طاولة النقاش والتقييم لاتخاذ القرارات الضرورية.
وبصفة مباشرة فإن المعارضة في تونس مطالبة بإدراج الملف الرياضي ضمن اهتماماتها والعمل على فرض جملة من المطالب من أهمها: انتخاب مسيري الجمعيات الرياضية حتى تتحدد المسؤوليات ويحاسب كل من يخل بواجباته في التأطير وإعلاء مبادئ الروح الرياضية والتعامل مع المنافس في كنف الاحترام، وسن قوانين تجرم العنف اللفظي والمادي والتحرش بالمنافس والتعصب. ونجاح هيئة رياضية لا يقاس بما تحصلت عليه من ألقاب فحسب بل وكذلك بكسب رهان الروح الرياضية والتعامل الحضاري مع المنافس داخل الملاعب وخارجها. وبذلك يمكن للرياضة أن تساهم في تأطير المجتمع وتكريس الروح المدنية.
مراد الذويبي

Aucun commentaire: