من المسؤول عن ازمة الغذاء؟

من المسؤول عن ازمة الغذاء؟

lundi 1 septembre 2008


الاتحاد من أجل المتوسط مشروع امبريالي فرنسي جديد



احتضنت باريس يوم 13 جويلية الجاري القمة التي أعلنت ميلاد "الاتحاد من أجل المتوسط". وقد دعا لهذه القمة الرئيس الفرنسي ساركوزي وحضرها رؤساء وملوك البلدان المطلة على البحر الأبيض المتوسط شمالا وجنوبا (عدا ليبيا) وشرقا وعددا من قادة بلدان الاتحاد الأوروبي.
الاتحاد من أجل المتوسط الذي اصطلح عليه ساركوزي في البداية، أي أيام حملته الانتخابية لفوز بالرئاسة في فرنسا بـ"الاتحاد المتوسطي" هو مشروع تجمّع جديد للشراكة بين بلدان شمال المتوسط وبلدان جنوبه وستغطي هذه الشراكة على خلاف مسار برشلونة الذي ولد سنة 1995، لا فقط مجالات التعاون الاقتصادي وإنما أيضا مجال السياسية و"الأمن المشترك".
ومعلوم أن حصيلة 13 من عمر مسار برشلونة وقفت كل التقييمات على فشلها في تحقيق الأهداف المرسومة لها. وتوعز كل التقييمات الرسمية والأوروبية منها على الخصوص لكون هذا المسار ركز على الجوانب الاقتصادية فحسب ولم يُولي المسائل السياسية الأهمية اللازمة. وقد اتضح أن استمرار ملف النزاع العربي الصهيوني قد حكم على هذا المسار بالموت والفشل المحتوم. لذلك جاء مشروع ساركوزي لإعادة صياغة فكرة الشراكة المتوسطية بإدراج قضايا السياسة والحكم والسيادة والديمقراطية ضمن اهتمامات وأهداف المشروع الجديد. والحقيقة أن هذه الفكرة ليست بالجديدة ذلك أن القمة التي احتضنتها برشلونة سنة 2005 لتقييم 10 سنوات من مسار برشلونة كانت وقفت على هذه الحقيقة ولكنها فشلت (أي تلك القمة) في وضع صيغة جديدة لشراكة الشمال والجنوب المتوسطي في نسختها الجديدة.
لذلك أدرج ساركوزي مشروع "الاتحاد المتوسطي" كواحد من محاور برنامجه في السياسة الخارجية الفرنسية الجديدة ويعتبرها بعد أن اعتلى سدة الحكم في بلاده سببا مهما في نجاحه. غير أن هذا المشروع الذي تحول في المدة الأخيرة في سياسة الأليزي من مجرد فكرة إلى برنامج للإنجاز أثار حفيظة بقية القوى الكبرى الأوروبية خاصة ألمانيا وأصبح مثارا للخلافات والاحترازات وهو ما أجبر ساركوزي على استبداله بـ"الاتحاد من أجل المتوسط" كي يكون مكملا للاتحاد الأوروبي ورافدا من روافده الإقليمية ومجالا لا تحتكر فرنسا منافعه.
وبعد جولة من المشاورات مع جيرانه الأوروبيين ومع مجمل بلدان الاتحاد الأوروبي اتجهت أنظار الرئيس الفرنسي إلى بلدان جنوب المتوسط وفي هذا الإطار جاءت سلسلة الزيارات التي أداها إلى عدد من بلدان جنوب المتوسط. وقد أثمرت هذه الجولة، هي الأخرى، كسبَ ودعمَ وانخراطَ كل من المغرب وتونس ومصر في المشروع فيما ظلت بعض البلدان الأخرى محترزة منه بدرجات متفاوتة. ومن أجل استدراج المحترزين دفعت فرنسا أصدقاءها في تونس والمغرب ومصر إلى عقد قمة تحضيرية مصغرة استضافتها ليبيا مؤخرا غير أن نتائجها جاءت عكس ما خططت له باريس. ومع ذلك ما يزال ساركوزي يبذل قصارى جهده من أجل تليين مواقف الرافضين من ليبيا وسوريا ملوّحا بمنافع الشراكة الاقتصادية والتكنولوجية. وفي حركة دبلوماسية مناورة دعي الرئيس السوري رسميا لحضور القمة عسى أن ترى دمشق في ذلك مؤشرا على خروجها من العزلة السياسية وعلامة فرنسية وأوروبية تجاهها.
لقد حاول ساركوزي من خلال زيارته عبر المتوسط، في المغرب والجزائر وتونس وليبيا ودولة الكيان الصهيوني، كسب انخراط دول جنوب المتوسط إلى مشروعه عاملا على تبديد مخاوف البعض (المغرب) واحترازات البعض الأخر (الجزائر) ورفض ليبيا. ورغم أن محاولاته هذه لم تحقق له الهدف المرسوم بما أن ليبيا أصرت على موقفها فإنه يبدو مصرّا على المضي قدما في مساعيه حتى النهاية. وبصرف النظر عما إذا كان سينجح في ذلك أم لا فإن ما رشح من خطبه من إشارات لأهم الأهداف المرسومة من وراء بعث هذا التكتل الإقليمي الجديد، يدل بوضوح على مساعي فرنسا تحت قيادة ساركوزي إلى العودة كقوة امبريالية إقليمية تستند إلى فضاء جغرافي واسع يضعها في موقع أفضل في مسار الصراع الامبريالي في الظرف الراهن وعلى المدى المنظور والبعيد.
إن الهدف من بعث هذا الاتحاد، من وجهة نظر اليمين الفرنسي الحاكم الآن، هو افتكاك الزعامة في الاتحاد الأوروبي حيال محيطها المباشر، أي أوروبا وأوروبا الجنوبية على الأقل من جهة وكل بلدان جنوب وشرق المتوسط من جهة ثانية. ويجد هذا المشروع في هذه البلدان فضاء للاستثمار وسوقا للترويج وخزانا من المواد الأساسية واليد العاملة ومنطقة للتوسع. ولو قدر لهذا المشروع أن ينجح في كل هذه البلدان فإن فرنسا التي ضمنت موقعا مهما في البناء الأوروبي ستتربع على عرش قطب اقتصادي وسياسي يمكنه أن يواجه أطماع أمريكا في المنطقة.
وعلاوة على هذه الأبعاد فإن ساركوزي يريد تدارك نقيصة مسار برشلونة الذي ركـّز على الجوانب الاقتصادية وأهمل الأبعاد السياسية في شراكة شمال وجنوب المتوسط. وقد وجد ساركوزي في قضايا "مقاومة الإرهاب" و"الأمن المشترك" و"النزاع العربي الصهيوني" المادة اللازمة لتنشيط الواجهة السياسية في مشروعه الجديد، فلم يتوان عن إعلان مساندته للدكتاتوريات الحاكمة في بلدان الجنوب المتوسطي وفقدت الدعاية الأوروبية حول حقوق الإنسان المكانة التي كانت حظيت بها من خلال مسار برشلونة حتى وإن كانت عناية شكلية. وإلى جانب ذلك أكد مجددا انتصاره للكيان الصهيوني وقدم له التطمينات لفرض مشاريع التسوية في المنطقة بما يخدم مصلحته ودفن حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. فكما هو جليّ، ولم يُخـْفِ ساركوزي نواياه، فإن مشروعه الذي يتزامن مع عودة فرنسا إلى قيادة حلف الناتو هو مشروع توسعي وهيمني ورجعي يستند إلى قوى رأسمالية استعمارية جديدة وإلى رجعيات بلدان جنوب المتوسط. وهو بهذا المعنى مشروع معادي للطبقة العاملة في بلدان أوروبا تماما كما هو معادي لمصالح شعوب بلدان الجنوب وخاصة الشعب الفلسطيني.

Aucun commentaire: