من المسؤول عن ازمة الغذاء؟

من المسؤول عن ازمة الغذاء؟

mardi 2 septembre 2008

ازمة الغذاء في تونس .............والعالم؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

أزمة الغذاء تتفاقم:
الليبرالية الاقتصادية في قفص الاتهام


شهدت السوق المحلية، على غرار الكثير من البلدان الغنية والفقيرة على حد السواء، ارتفاعا غير مسبوق في أسعار المواد الأساسية والغذائية جعلت معظمها خارج متناول العمال والطبقات الشعبية، وهي مرشحة لمزيد الارتفاع سواء بسبب عوامل اقتصادية وسياسية عالمية أو محلية. وقد جاء في تصريحات متواترة لصندوق النقد الدولي وهيئات دولية أخرى كثيرة (منظمة الزراعة والتغذية، منظمة الصحة العالمية...) أن "أزمة المواد الغذائية العالمية" ستستمر لمدة سبع سنوات أخرى. وقد تولت الدول والاحتكارات الدولية تقديم تفسيرات متعددة لهذه الظاهرة للتغطية على الأسباب الحقيقية لهذه المأساة الجديدة التي تهدد حياة مئات الملايين من الناس.
والحقيقة أن أسباب هذه الأزمة التي لم يعد بمقدور أحد إخفاؤها أو نكرانها هي التالية:
1/ مضاربات الصناديق الاستثمارية في الدول الرأسمالية الامبريالية الكبرى في ظل نظام رأسمالي ليبرالي معولم تخلت فيه الدولة عن دورها في مراقبة وضبط حركة الرساميل والأرباح وغياب ضمانات التحكم في المضاربات وتحمّل الفقراء عبء نتائجها الكارثية وهو ما أكدته منظمة الزراعة والتغذية العالمية بحيث أدى ذلك إلى ارتفاع سعر الحليب ومشتقاته إلى 80% خلال العام الماضي وزادت أسعار الحبوب بحوالي 200% خلال العامين الماضيين وانعكس ذلك بمضاعفات خطيرة على سلسلة من المواد الأخرى.
وقد أدى هذا إلى أن حوالي 40 دولة أصبحت فقيرة ومهددة بالمجاعة وبحدوث اضطرابات خطيرة. وقد أكد صندوق النقد الدولي في إحدى دراساته أن أكثر من 35 دولة مهددة بانخرام اقتصادي وبفوضى اجتماعية وأمنية، بسبب حالة الفقر والخصاصة.
2/ اللجوء إلى استخراج الوقود الحيوي، أمام الارتفاع الجنوني في أسعار مواد الطاقة، مـــن الحبوب كمادة خام. ومن المتعارف عليه أن توليد الطاقة من هذه المواد أكبر كلفة من كلفة الطاقة المستخرجة من البترول وهو ما أدى إلى ارتفاع سعر الطاقة وأسعار مادة الحبوب في ذات الوقت. وكانت منظمة الأمم المتحدة قد نبهت إلى أن هذا العمل يعد جريمة في حق الإنسانية جمعاء ولا يخدم إلا حفنة من المضاربين على الطاقة وعلى مواد التغذية الأساسية.
3/ اضطرابات المناخ وتوسع مظاهر التصحر والجفاف نتيجة الانحباس الحراري وتكاثر العواصف والفيضانات المدمرة وهي مظاهر طبيعية ولكنها ناجمة عن عوامل من صنع البشر ومن صنع الأنشطة الصناعية الرأسمالية الساعية إلى الربح. ومعروف أن الولايات المتحدة، البلد الأكثر تصنيعا في العالم، ما تزال حتى الآن ترفض المصادقة على اتفاقية كيوتو لتخفيف التلوث والحد من آثره بدعوى أن ما تشترطه هذه الاتفاقية من شأنه أن يزيد في كلفة إنتاج صناعتها ومنتوجاتها ويحدّ من قدرتها التنافسية في وجه المنتوجات الصناعية الأوروبية واليابانية المزاحمة.
4/ الارتفاع الجنوني لأسعار الطاقة والبترول على وجه الخصوص وهو ارتفاع تسبب في اشتعال نار الأسعار في سلسلة من المواد الصناعية والأنشطة المرتبطة بها (نقل، تأمينات إلخ..).
لقد أدخلت الرأسمالية المتوحشة المعولمة كل العالم وكل مظاهر حياة الشعوب في أزمة حادة فضحت الدعايات الكاذبة التي سبق أن بشرت الإنسانية بغد أفضل بعد اندحار "الشيوعية" وسقوط الدول والأنظمة التحريفية في أوروبا الشرقية. وما هي إلا بضعة سنوات حتى وجدت البشرية نفسها أمام الخطر المحدق، خطر الفقر العام والشامل وعودة الجوع وكل مظاهر الخصاصة والحاجة.
وبطبيعة الحال نشطت أجهزة الدعاية في الدول الرأسمالية الكبرى كما في البلدان الفقيرة والصغيرة كبلادنا إلى إيجاد كل من موقعه وحسب ظروفــه التبريرات الضرورية للتغطية على الجريمة التي هي بصدد اقترافها في حق شعوبها وعمالها. ففي تونس مثلا، كيف بررت الحكومة حملات الزيادة في الأسعار والتعدي على المقدرة الشرائية للشرائح الشعبية؟
جندت السلطة وسائل الإعلام لتقوم بضجة حول ارتفاع أسعار البترول والحبوب وغيرها من المواد في السوق العالمية ولتهيئ الرأي العام لتقبل حملات الزيادة في أسعار المحروقات والحبوب والحليب وطائفة أخرى من المواد الأساسية على أنها "قضاء وقدر" أملته الأوضاع الاقتصادية العالمية "التي لا تقوى تونس كبلد صغير غير منتج للبترول على مواجهته". وتحت هذا العنوان تبرر الحكومة في جولات التفاوض مع النقابات رفضها الزيادة في الأجور بما يكفل حماية المقدرة الشرائية للفئات الشعبية. ومعلوم أن الحكومة لا تفوت فرصة أو حدثا أو وضعا دوليا لتتعلل به. ففي الثمانينات تعللت بالأزمة الاقتصادية العالمية والمحلية لتدعو الشعب لقبول ما يسمر بتقاسم الأتعاب وشد أحزمة التقشف والقبول بتدني الأجور مقابل الزيادة في الأسعار. وكان ذلك مقدمة لتمرير "برنامج الإصلاح الهيكلي" الذي قدم على أنه الوصفة الملائمة لحل الأزمة وتجاوزها. ولكن هذا البرنامج الذي أملته الصناديق المالية العالمية والبلدان الدائنة لم يفعل سوى تعميق الأزمة وتحميل الشعب أتعابا إضافية. فعلاوة على استمرار وضع المقدرة الشرائية على حاله –بل زاد سوءا- فإن الاقتصاد التونسي الموجه للتصدير اتجه إلى تمويل الأسواق الخارجية باسم ربح معركة المزاحمة الدولية في ظل العولمة أكثر مما هو موجه لتلبية حاجات التونسيين. ونتيجة لذلك بتنا نعيش على ما نورّده لا فقط في مجال المواد المصنعة بل وحتى في المواد الفلاحية والخدمات. إن الزيادة في الأسعار في تونس التي بلغت درجات غير مسبوقة لا ترتبط في الواقع بأوضاع السوق العالمية بقدر ما ترتبط بالاختيارات الاقتصادية الليبرالية التي وضع أسسها "برنامج الإصلاح الهيكلي" وعمّقها نظام بن علي خلال العشريتين الماضيتين ومنذ وقـّع اتفاق الشراكة مع أوروبا موضع التنفيذ. إن الحكومة التي لا تبحث إلا على تصدير أكبر قدر ممكن من المنتوجات الصناعية والفلاحية وأجودها حارمة المستهلك التونسي منها إنما تخلق وضعا من الانخرام في السوق. ففي ظل محدودية العرض (نتيجة التصدير) من الطبيعي أن تلتهب أسعار الكمية الصغيرة المرصودة للسوق المحلية.
وعلاوة على ذلك فإن استغلال الأوضاع الدولية (ارتفاع أسعار المحروقات مثلا) وتقديمها على أنها المبرر الوحيد للزيادة في الأسعار في بلادنا (المحروقات) يناقض الواقع. وهو ما أكده الوزير الأول في خطابه أمام البرلمان عند تقديم الميزان الاقتصادي أن ميزان الطاقة المحلي متوازن بل وسجل نسبة هامة من الربح.
إن الاختيارات الاقتصادية المتبعة والفساد المستشري والجشع الرأسمالي التابع هي الأسباب الحقيقية في بقاء بلادنا سوقا للرساميل الأجنبية، تنهبه وتستغل أبناءه. إن بلدا يعيش على ما ينتجه الآخرون ويتغذّى من وراء البحار واقتصاده موجه لتلبية حاجات الآخرين بأبخس الأثمان وصناعته هشة ومرتبطة باقتصاديات البلدان المجاورة وفلاحة لا تقوى لا على تمويل فلاحيها بالبذور ولا بالأدوية والعلف ولا على إنتاج ما تحتاجه البلاد والشعب، إن بلدا على هذه الشاكلة لا يمكنه مواجهة تقلبات السوق العالمية.
وبطبيعة الحال، وفي مثل هذه الأوضاع، يبقى الشعب هو المتضرر الأول تنهشه البطالة بحكم ضعف النسيج الاقتصادي وعجزه عن استيعاب طالبي الشغل بما في ذلك ذوي الكفاءات، وتستغله الاستثمارات الأجنبية الباحثة عن الربح السريع والأقصى وتحمّله كل أسباب الأزمة، ليجد نفسه في نهاية المطاف على حافة الفقر والإملاق العام.
إن الوضع الاجتماعي المحتقن مثله مثل الوضع السياسي المنغلق تنبئ بهزات اجتماعية ليست أحداث الحوض المنجمي غير مقدمة له، ويضع بلادنا أمام خطر الانخرام والفوضى نتيجة الاختيارات التي يتبعها حفنة السماسرة الاستغلاليين الذين لا يفكرون إلا في ملء بيوتهم على حساب الشعب التونسي.

Aucun commentaire: