من المسؤول عن ازمة الغذاء؟

من المسؤول عن ازمة الغذاء؟

lundi 1 septembre 2008

أزمة الغذاء في تونس الخضراء:
الحاجة وعدم القدرة


"ارتفعت الأسعار في تونس" و"الفلوس ما عادش تقضي" و"أزمة غذائية عالمية" إلخ.. هذا ما يردده المواطن التونسي أينما وجدته، في المراكز التجارية ومحلات الخضر والجزارة والمخابز...
بالفعل، إن السوق الداخلية في تونس، متماثلة مع الأسواق العالمية، تعرف تزايدا مطردا في أسعار المواد الغذائية، ويهمنا هنا، محاولة رصد الخطاب الرسمي في تعاطيه مع مسألة غاية في الخطورة واستشراف حالة السوق بارتباط مع قرب نهاية الموسم الفلاحي الجاري.
في الواقع، وكعادة السلطة، استثمرت أجهزة الدعاية النوفمبرية أزمة المواد الغذائية العالمية فقامت بسلسلة من الندوات البصرية السمعية وتجندت الأقلام مبررة الزيادات الحاصلة وهيئت الرأي العام المتململ لقبول مزيد الزيادات، تعلتها في ذلك منطق اللاحول واللاقوّة ومقارنة ما يحصل داخل القطر من زيادات بواقع الأقطار الرأسمالية الكبرى، وكأن المواطن الأمريكي إذا مات جوعا فعلى نظيره التونسي أن يفنى، وهو ما يكرّس تذيل النظام للقوى الامبريالية الكبرى.
إن الزيادات الحاصلة لها أسبابها الجوهرية والمباشرة التي لم تأت السلطة على ذكرها. فالحبوب مثلا، والتي تمثل أساس العادات الغذائية لدى عموم المواطنين، قد شهدت المساحات المخصصة لزراعتها تراجعا إذ لم تتجاوز الـ12 بالمائة من إجمالي الأراضي الفلاحية. وهذا التراجع له دوافعه سواء بالنسبة لصغار الفلاحين وحتى كبارهم إذ يبقى الإنتاج الفلاحي في تونس رهين تقلبات المناخ ورهين جاهزية الدولة في قبول الإنتاج العام من الحبوب باعتبارها الحريف الرئيسي، ونتيجة لذلك وبارتباط مع واقع أن الاقتصاد التونسي موجه للتصدير فالكميات المتوفرة والتي تزودت بها الدولة هي في الأساس للتصدير وهو ما يعني انخراما في السوق وارتفاعا غير مسبوق في أسعار القمح مثلا، فالقنطار الواحد الذي بيع في جويلية 2007 بـ40 دينار أو اقل، صار في جوان 2008 بـ60 دينار وهو مرشح للزيادة. أما الشعير فقد تضاعف سعره تقريبا خلال السنتين الأخيرتين. وقد أثرت الزيادة في الحبوب على أسعار العلف، فـ"بالة القرط" قفزت إلى 7 دنانير والتبن زاد بدينار للبالة الواحدة. هذه أسعار الصيف فكيف ستكون أسعار الشتاء الذي يعرف ارتفاعا مشطا لأسعار العلف. وهذا بالطبع سيؤدي بالضرورة إلى ارتفاع الإنتاج الحيواني من لحوم وبيض وحليب ومشتقاته. وإذا كانت أسعار اللحوم الحمراء قد شهدت خلال هذا الصيف انخفاضا ملحوظا فهذا مؤشر على بداية الأزمة لأن الفلاح بدأ بالتخلص من مواشيه بأسعار بخسة بعد أن عجز عن تلبية حاجياتها من العلف.
إن ارتفاع أسعار الحبوب و"انقراض" زراعة الفلفل من عديد الجهات المنتجة مثل الوطن القبلي الذي خلت مساحاته السقوية هذا العام من الفلفل. إلى جانب ما عرفه إنتاج الطماطم من تقلبات وارتفاع غير عادي في أسعار البقول من حمص وفول... وهو واقع يتقاسم تبعاته المؤلمة المستهلك والمنتج على حد السواء. فالمستهلك يعاني من فقدان المواد الأساسية والمنتج دخل دوامة الديون الهيكلية وأصبح مرتهنا للبنوك ولحفنة من مافيات الفلاحة تقوم بالتمويل العيني من بذور وأدوية مقابل احتكار الحق الحصري في شراء المنتوج فارضة بذلك أسعار تؤبد واقع تبعية الفلاحين الصغار لهم وارتهان حياتهم بوجودهم. هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن شحّ الإنتاج وارتفاع الأسعار وانخرام السوق نتيجة لهث النظام التونسي لتحقيق أقصى ما يمكن من التصدير دون الأخذ بعين الاعتبار الحاجيات الداخلية، سيكون له تداعيات خطيرة على أسعار العجين ومشتقاته والألبان وزيت الزيتون الذي تجاوز لتره الواحد الـ5 دنانير وبدأت مؤشرات الأزمة الغذائية في أقصى تجلياتها في تحديد سقف تزويد المخابز بأكياس الدقيق المعد للخبز. إن حاجيات المواطن الغذائية الأساسية ستتحول إلى كماليات في ظل تدهور مقدرته الشرائية. ومن خلال رصد الإنتاج وأسعار المنتوجات الفلاحية، يمكن القول أن تونس مقبلة على شتاء "بارد" قد تلهبه أحداث وهزات اجتماعية شبيهة بأحداث الحوض المنجمي. والسلطة وحدها هي المتسببة في ذلك باتباعها خيارات اقتصادية وسياسية أفضت إلى عجز غذائي يتفاقم يوما بعد يوم.
ولاء
________________________________________
بين الفلفل والبطاطا ضاع فلاّحو الوطن القبلي
تعتبر منطقة الوطن القبلي من أهم المناطق في البلاد في إنتاج الخضر وذلك لعوامل طبيعة ملائمة خاصة بالنسبة إلى إنتاج البطاطا والفلفل والطماطم. وقد لاحظنا هذه السنة ارتفاعا واضحا في مساحات البطاطا المزروعة في الوقت الذي تراجعت فيه المساحات المخصصة لزراعة الفلفل. ولدى استفسارنا عن سبب ذلك أفاد الفلاحون بما يلي:
1) ارتفاع أسعار البطاطا خلال السنة الفلاحية الماضية مما يبشر بمدخول أوفر قادر على تغطية الديون المتزايدة واسترداد المصاريف والنفقات الكبيرة خاصة مع ارتفاع أسعار الأسمدة والبذور والأدوية.
2) نفقات زراعة البطاطا لا يمكن مقارنتها بمصاريف زراعة الفلفل الذي يتطلب يد عاملة مكثفة واستعمال أسمدة متنوعة مع كثافة الريّ (يكاد يكون يوميا). زد على ذلك أن زراعة الفلفل فيها الكثير من المجازفة بسبب كثرة أمراضه واستغلال البرجوازية وأصحاب القرار (مصانع التحويل ومستودعات التخزين...) لصغار الفلاحين من خلال فرض تسعيرة الشراء. وهو ما يسبب ضررا للفلاح خصوصا أن معظم الأراضي التي يستغلونها ليست على ملكهم بل هي تابعة للغير من أصحاب رؤوس الأموال ويعلمون فيها بمقابل أجر أو نسبة من الربح بعد طرح المصاريف والنفقات.
3) قلة الأمراض التي تصيب البطاطا مقارنة بالفلفل.
ومن الطبيعي أن يؤدي ارتفاع الإنتاج إلى انخفاض في الأسعار، حيث تباع البطاطا حاليا بـ250 مليم في سوق الجملة. وهو سعر لا يكفي لتغطية المصاريف الباهظة التي تقدر بـ2500 دينار للطن الواحد من البذور. أي أن الطن الواحد من البذور يجب أن يعطي 10 أطنان لتغطية المصاريف فقط. وبذلك فإن الفلاح الذي هرب من الفلفل سقط في فخ البطاطا وخسر في الحالتين

Aucun commentaire: